رواية الفطر – براكسيس رمادي

رواية الفطر / دار عرب (2023)

مراجعات:

مراجعة الكاتبة والمترجمة زوينة آل توية على رواية “الفطر”

التهمت “الفطر” في أيّام معدودة، مع أنها لم ترقني أكثر مما راقتني رواية “سر الموريسكي”. الفطر تُروى على ألسنة ثلاثة “أشخاص آليين” أو “إنسالات” كما يطلق عليها الكاتب والإنسالة اسم مختصر للإنسان الآلي.

يبدو لي أن الرواية تركّز على فكرة تفوّق الآلة على الإنسان أو تفوّق المخلوق على الخالق. استطاع محمد العجمي عبر تقنيات سردية محكمة طرح أسئلة وشكوك علمية ووجودية مستعينا برياضيات الخوارزمي وفلسفة جيل دولوز ورمزية طائر السيمورغ في منطق الطير لفريد الدين العطّار. وهنا أتذكّر أن الكاتب في “سرّ الموريسكي” أيضا استلهم أفكاره من قراءات معمّقة في تاريخ الموريسكيين وشتاتهم في القرن السابع عشر. أي إن ما يقرأه الكاتب ويجدّ في بحثه يحوّله إلى مادة لكتابة عمل إبداعي، فهو لا يمتح أفكاره من مجتمعه مثلما يفعل كتّاب آخرون، بل من مخزون معرفته وقراءاته في مجالات شتّى.

في “الفطر”، لكل إنسان آلي من الإنسالات الثلاثة وجهة نظر مختلفة في قصّة المرأة التي عاشت في شقة الغصن العلوي في عمارة حي اللبلاب، والتي يعتقد أنها راحت ضحية جريمة قتل لا يُعرف من ارتكبها، أهو الطبيب أم الرمادي أم الإنسان الآلي نفسه، ثم يكتشف القارئ أنها لم تمت موتا كاملا لأن دماغها ظل يرسل إشارات على الحياة رغم فصله عن جسدها ورغم اختفاء قلبها ووجود مضخة مكانه.

القصة مثيرة للاهتمام وزاخرة بالتفاصيل والأحداث والفرضيات العلمية. لكنني كنت أشعر بالملل أحيانا من استرسال الإنسان الآلي في السرد ووضع الافتراضات، حتى إنني كنت أجد صعوبة أحيانا في فهم بعض الأفكار. لكنني معجبة بقدرة الكاتب على خلق حوار مثير للاهتمام بين الإنسان العادي والإنسان الآلي يكاد يكون عبثيا في بعض الأحيان، لكن عبثيته نابعة من أصالة الفكرة نفسها، فكرة الصراع بين الإنسان والآلة. والرواية بدت لي مثل لوحات سلفادور دالي المغرقة في سورياليتها والصادمة لوعي القارئ. لوحة الغلاف نفسها تبدو هكذا.

بالنسبة إليّ، ما يميّز روايتي “سرّ الموريسكي” و”الفطر” هو أنهما تشركان القارئ وتورطانه في أحداثهما، فيغدو قارئا متفاعلا مع الشخصيات وراغبا في التدخّل أحيانا.

في “سرّ الموريسكي”، كان السرّ قريبا جدا من روبرت الإنكليزي، لكنه لكي يصل إليه كان عليه أن يرتحل إلى فرنسا وهولندا وإيطالبا وحلب، ولا يملك القارئ إلا أن ينساق معه ويخوض التجربة.

وفي “الفطر”، فكرة المرأة المقتولة، الفكرة نفسها كانت هلامية وسديمية ويستحيل القبض عليها رغم وجود جسد المرأة، فكان لا بدّ من المحقق والنقيب والصحفي والرمادي والإنسالات لوضع عشرات الفرضيات للقبض على الفكرة، وكان لا بدّ من القارئ أيضا ليدلو بدلوه.

13.03.23
‏Z

مراجعة الصديق مباك بن علي على رواية الفطر على الفيسبوك

هكذا أنهت كامي أي أمل في الوصول إليها عبرة رقصة الفطر السحري …”أبتكرت كثيرا في تلك الرقصة التي كانت تتبع فيها نمطا من الحركات ليس سهلا اكتشافها”.
كامي أو ما تعرف بالمريضة رقم 5…كانت من أوائل البشر الذين يجربون مساعدا طبيا..وربما كانت حقل تجارب في سبيل التعافي من مرض الفصام الذي أصابها في مرحلة مبكرة من عمرها.
رواية متماسكة بأسلوب بديع قلما تجد مثيل له في العالم العربي فهو يستشرق المستقبل البعيد ..حين يعيش الروبورت مع الإنسان خادما أو مساعدا أو قد تتطور العلاقة حتى يصير حبيباً حين يتطور من طور لآخر… وكأنها رواية مترجمة من عمل أدبي غربي يحاكي أفلام المستقبل.
ناقشت الرواية مجموعة واسعة من المفاهيم.
منها ما الذي يشكل الإنسان، المشاعر أم الجسد؟ .
الرأسمالية العلمية وانعدام الأخلاق في سبيل التكسب.
مدى تقبل البشر للروبورت ليحل محل الإنسان في الأعمال..والصراع المتصور حين تحل الآلة مكان البشر في كثير من الأعمال.
علاقة الفطر بالإنسان.
الرواية ذات طابع فلسفي وحبكة بوليسية لا تخلو من الغموض والنهاية المفتوحة ..أنتهت صفحاتها عند الصفحة 245 وبقيت أحداثها قابلة للتأويل إلى ما لا نهاية.
أرشحها كسناريو جاهز لفلم عالمي.

مبارك بن علي

مراجعة الصديق فهد الجهوري على رواية الفطر في موقع goodreads

حينما نتحدث عن رواية بوليسية فإننا بالعادة ننتظر منها الغموض ومعرفة القاتل وكيفية حل لغز الجريمة ولكن في رواية الصديق العزيز محمد العجمي (الفطر) لم تكن الجريمة وحدها الحاضرة في مخيلته بل جمع محمد العجمي الجريمة وغموضها واستشرافه للمستقبل البشري رفقة الروبوتات والتي كانت هي الشخصيات الرئيسة في هذه الرواية. لم يكن مزج رواية بوليسية بامتياز مع نظرة مستقبلية للتعاون الإنساني مع الخوارزميات التي تقوم عليها الروبوتات بالعمل الجديد ربما، ولكن الخيال الذي قدمه العجمي هو ما أحب أن اسميه (الخيال المقنع) الخيال الذي يعتقد القارئ أن من الممكن حدوثه مع الروبوت الذي يطور نفسه ؛ليحمل نفس العواطف الإنسانية والنفسية ويتعلم المبادئ الأخلاقية وغيرها من الصفات التي يتفوق بها البشر عن سائر المخلوقات، فعن السيدة التي تسكن في بناية (اللبلاب) بالطابق السادس والتي لم تخرج من شقتها لسنتين كاملتين ولم يُعرف عنها الكثير يستفيق ذات صباح سكان بناية اللبلاب على رائحة التحنيط لجثتها من باب شقتها ليتكشف الأمر عن جريمة قتل بشعة وغامضة، من هذا الجانب تحديدا يتلاعب العجمي بالتفاصيل في غرفة القتيلة لزيادة الغموض عن تفاصيل غير منطقية للوهلة الأولى، فما الرابط مثلا بين روبوت لا يتحرك نهائيا وهو الذي كان المساعد الطبي الذي صُنع للقتيلة خصيصا و التي كانت تعاني من اضطرابات نفسية و عصبية شديدة؟ ولماذا الرسم على الجدران بطريقة معاكسة؟ ولماذا توجد لوحة شطرنج عليها قطع اللعبة المصنوعة من اللحم البشري؟ ولماذا تم زراعة الفطر في غرفة القتيلة؟ ولماذا الروبوت وهو المساعد الطبي للقتيلة أصبح بلا حركة ولا وعي؟ وغيرها من التفاصيل الغامضة التي يحكيها ثلاثة روبوتات بصيغة المونولوج في كثير من الأحيان وهو ما أعطى العجمي مساحة صنعها لنفسه للحديث عن ما يدور بخياله أو ما أراد قوله عن نظرته الخاصة المتعلقة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي ومستقبل البشرية في ظل هذا التزاوج إن صح التعبير بين الإنسان و الآلة. أستطيع القول أن محمد العجمي وضع لنفسه تحدياً و اجتازه بنجاح، فبعد روايته الأولى (سر الموريسكي) والتي كرسها لفترة تاريخية محددة يقلب العجمي الطاولة على نفسه ويقدم عملاً لا يمت للتاريخ بصلة بل يقدم استشرافاً لما يمكن أن يكون عليه عالمنا في خضم ما يفعله بنا الذكاء الاصطناعي من تطور هائل يوما بعد يوم. إن رواية الفطر تبدو للوهلة الأولى للقارئ مجرد رواية بوليسية مثل كل الروايات المرتبطة بالجريمة وطريقة حل الجريمة ولكن القارئ بين الأسطر بعمق سيعي أن العجمي حاول أن يوجد رؤية أشاطره شخصياً فيها بالمجمل حول ما يمكن أن يكون عليه هذا العالم مستقبلاً، هذا المستقبل الذي ستصبح فيه الآلة والخوارزميات هي محور حياتنا اليومي.

فهد الجهوري