مايو 25, 2025

براكسيس رمادي

حيث الفكرة الحرة تقود التغيير

عن الدين والحرب.. والمنطقة

أمريكا محتاجة إلى عقيدة. وأوروبا ستلحقها عما قريب. الإدارة الأمريكية تبنّت الصهيونية كأيديولوجية دينية لأنها الأقرب إلى المزاج الأنجلوساكسوني؛ كعقل نفعي عملي يعتبر المصلحة العملية مقياس الحق والأخلاق. ولكن ما المعتقد الذي يمكن أن يناسب أوروبا القارة؟ إذ لا تبدو المسيحية التقليدية كافية ومقنعة كأيديولوجية شعبوية وتعبوية، ولا بدائل كثيرة هنا. أوروبا الديمقراطية المنفتحة المتنوعة؛ آخذة في التحلل، ولا بواكي عليها. هي بين المطرقة الروسية والسندان الأمريكي. الصهيونية لا تناسب الأوروبيين، ولكن لا يوجد معتقد واحد يمكن أن يجعل الاتحاد الأوروبي متماسكا.

مشكلة الانفتاح والعقل الديمقراطي المحتكم إلى شرعية حقوق الانسان؛ أنه يفترض مقدما أن الجميع يجب أن يكونوا كذلك، إذ في أي لقاء بين الدين القوي الممتلئ بأيديولوجية توسّعية، وبين الديمقراطية الانفتاحية؛ الدين هو الذي ينتصر. ولهذا أوروبا مهددة بالتحلل. الاقتصاد قد يمسكها لبعض الوقت، فبما أنك تستطيع أن تصرف، فأنت قادر على التماسك، ولكن المارد الصيني يبتلع المكاسب الأوروبية بالتدريج. وقد خسرت أوروبا فعلا الكثير من رصيدها الأخلاقي بعد تأبيدها شبه المطلق لذبح الفلسطينيين في مقابل رفضها لمقتلة الأوكران، وهذا من علامات التحلل.

لا مكان للغة السلام في هذا العالم المتوحّش؛ إلا كأسلوب داخل لغة أكبر هي لغة الحرب والقوة والهيمنة. لهذا العرب هم أكثر المخدوعين بوهم السلام. ويبدو لي أنهم يفهمون ذلك جيدا، ولكن يفضلون المكاسب قصيرة المدى. وبما أن الفجاجة والغطرسة الصهيونية بلغت منتهاها في العنصرية ضد كل ما هو عربي ومسلم، وبما أن أوروبا باتت أضعف من أن تلتزم لحدود سايكس بيكو التي قسّمت بموجبها منطقتنا، وفي ظل الارتهان التركي شبه التام للإرادة الأمريكية، فلا بدّ للعرب أن يعيدوا حساباتهم من الجذور؛ من الصديق ومن العدو؟

السلام هو جزء من الحرب، ولا ينفع مطلقا أن تقدم مبادرة سلام بدون أن يكون بموازاتها عشرون مبادرة للحرب. وفيما يبدو أن مصر بدأت تتنبه لذلك، وخصوصا بعد أن شاهدت الجيش السوري يتم تدميره بالكامل؛ أمام أعين العرب المغلقة. الخليج ما يزال يشتغل كمزرعة خلفية لأمريكا، ولكن إلى متى؟ هناك بوادر لقلق سعودي متصاعد، وترقب حذر لمختلف الجبهات، هل سيتطوّر إلى تحالف سعودي مصري؛ مع انعطافة جادة في اتجاه الضفة الأخرى للخليج حيث الأيدي الإيرانية الممدودة لحماية المصالح المشتركة للمنطقة؟ وربما هذا التحالف يستطيع أن يقنع الأتراك بأن الناتو ليس هو الخيار الوحيد لتحقيق لمصالحهم.

لا يلزم أن تتوافق هذه الدول المحورية على جميع الملفات، ولكن الحد الأدنى هو الاقتناع بأن الأقوياء فقط هم من يحكمون. وهزيمة المشروع الصهيوني ليست مستحيلة، وخصوصا مع النموذج المشرّف الذي قدّمته المقاومة بمختلف جبهاتها طوال الأشهر الماضية. الخيارات كثيرة أمام العرب، والذهنية المتّقدة ليست خاصية حصرية بالإسرائيليين. اليمنيون يثبتون ذلك عمليا وهم في طليعة المواجهة. ترامب سيزور الخليج قريبا وهو يفهم أن الخليج ليس بيده من أوراق القوة سوى المال. ألا يجب أن يعرف أن الخليج باتت لديه خيارات كثيرة غير أمريكا التي تقتل العرب في خمس أو ست دول عربية على الأقل، والعنجهية تتمدد؟

Views: 18