أبريل 20, 2024

براكسيس رمادي

حيث الفكرة الحرة تقود التغيير

رسائل إلى الحسين الشهيد

*محمد العجمي

سيدي الشهيد.. أسميك شهيدا لكي يعلم من يقرأ لي أنني أخاطب رمزا. هذا الرمز يشكل جزءا ليس بالقليل من واقع؛ من شدة بؤسه؛ أصبح مادحوه يخشون أن يتهموا بالكذب. فاعذرني أيها الرمز المنصوب فوق رؤوسنا منذ سنة 61 هجرية؛ أعذرني إن أغلظت لك في القول، فما ذاك إلا ﻷني صدمت فيك كثيرا.

سأبدأ من طفولتي.. عندما كان والدي يأخذني إلى مأتمك. لأصدقك القول إن أكثر ما بقي من ذاكرة تلك السنين شيئان: البكاء والعويل والجزع من جهة، والطعام والعصائر والحلاوة من جهة أخرى. فلم أكن أفهم أكثر ما يقال، ولم يكن عقلي الصغير يسأل أكثر من السؤال: كيف أستطيع أن أبكي بدون سبب؟ عرفت السبب بعد سنوات من التكرار، وبكيت عليك. والحق أنني بكيت على آلامك التي تعرض أمامي كفلم سينمائي في منتهى الحذق والإبداع. فهي لذة الخيال الذي يدفع باللاوعي أن يترجم صرخة طفل عطشان أو سوط يقع على ظهر يتيم أو حيرة غريب مفجوع بقتل أهله؛ يترجم كل ذلك في صورة وجع وتأوه ودموع. ولأصدقك القول أيضا؛ أن أي اسم آخر يحل مكان اسمك، سوف أبكي عليه، حتى لو كان قاتلك شمر بن ذي الجوشن. فما كنت أبكي عليه هو الخيال. نعم الخيال! أو ليس هذا ما يدفع الباكي على فقد حبيب غال عليه.

هناك سبب آخر كان يمر علي في طفولتي تلك. ولكن لم يقنعني كثيرا، ولم أشعر بأنه يغسل روحي كما قال لي نادبوك الناعون لك. حسنا.. سأعترف لك لماذا لم يقنعني. لأنه يخاطب العقل لا الخيال. لقد أخبروني باكرا منذ بداياتي مع العقل، أن البكاء عليك يقرب من الله، وفيه رضا أنبيائه الذين كلهم بكوا على الحسين. وقصص بكاء النبي وفاطمة وعلي كثيرة؛ أحدها تلك القصة التي تقول إن جدك سالت دموعه عندما استلمك وليدا واستشرف مستقبلك الحزين بما كان يمنحه الله من إلهامات ووحي. هذه كانت صدمتي الأولى معك. لم تكن الصدمة قوية، فالخيال كان هو الأقوى، والعقل يضغط على نفسه بقوة كي يتجاهل تلك الأسئلة البسيطة: لماذا يبكي نوح عليك؟ وكيف وثقوا بكاء إبراهيم عليك؟ وكيف أبرر بكاء موسى نبي بني إسرائيل على حدث لم يقع؟ وما قيمة دموع لا يعرف سببها؟ كانت أسئلتي هذه بدائية ولكنها تنطوي على أشياء كثيرة كشفتها لي الأيام فيما بعد، حيث أصبحت أسئلتي أكثر تعقيدا. شيء من قبيل: هل التاريخ يسمح بلحظة في المستقبل البعيد أن تقع في الحاضر؟ وإن كان من قبيل المعجزة؛ ألا ينتفي الثواب والعقاب؟

حسنا.. العقل يا سيدي الشهيد كان له اتجاها آخر كي يعبر عن اندماجه معك وذوبانه فيك. أو لأقل.. استجابته لرغبة الانتماء إلى أصل. ذلك الاتجاه هو ما كنت أسميه فلسفة الثورة الحسينية. والحق أني أتذكر جيدا أن هذا كان آخر خيط يصلني بك. كنت متمسكا بنصوصك وخطاباتك وشعاراتك الثورية. هيهات منا الذلة، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى. وقد كان من المقدر أن أستمر في تقديسي ذاك لثورتك التاريخية المهمة، لولا اكتشافي حجم الدجل التاريخي والتجارة بقضيتك عند قومي. هنا الحديث يطول، فمشاعر الانتماء التي تجعل الفرد عضوا فاعلا في جماعة؛ تصبح عبئا على الوعي الذي يرى من خطابات فلسفة الثورة الحسينية مجرد خداع والتفاف على فلسفة التاريخ. فالثورة إنما تكون نتيجة لأخطاء تراكمت وما عاد ممكنا إصلاحها بغير العنف. هل العنف يستحق التقديس؟ بالطبع لا. إذن ما الذي يستحق التقديس؟ الجواب هو أصل الثورة. وفي حالتك أيها الرمز المقتول ظلما سنة 680 ميلادية هو العدالة. العدالة هي التي تستحق التقديس وليست الثورة نفسها. وفي ذلك يتساوى دمك مع دم شبيب الخارجي ودم صاحب الزنج ودماء ثوار البربر ضد بطش عمال الأمويين والعباسيين.

سيدي الشهيد.. إن حادثة بسيطة جرت في بضع ساعات من نهار؛ تمضغها الألسن والقرائح أربعة عشر قرنا؛ هل تستطيع أن تتوقع ما هي النتيجة؟ النتيجة مخيفة جدا؛ وهي أنك تحولت إلى صنم وقطب لرحى هذا الكون. حيث يتم تعويض النقص في مادة الخطاب؛ بسبب صغر الحدث وتضارب التفاصيل؛ بخيالات هائلة تتحول فيها أنت إلى نصف إله، وسيكون على من يحاول قراءة ثورتك قراءة موضوعية؛ أن يستعد لمحاسبة المشاعر الرقيقة التي ستنجرح لمجرد ممارسة شيء من النقد المنهجي على سيرتك. إن المشكلة الكبرى التي دفعتني لترك كل ذلك، والانصراف كليا عن التعاطف مع مآتمك؛ ليست لأني أقبل بما جرى عليك، بل لأني أرفض تحويلك إلى قدر يشكل واقعنا ويحدد المصير الذي نذهب إليه. أرفض كل أشكال التزييف والتشويه للتاريخ وتحويله من تدافع بشري طبيعي يجري وفق سنن معروفة أو تحتاج للاكتشاف؛ إلى تاريخ فئوي ضيق يختصر كل هذه القرون من الصراع في حادثة صغيرة جرت في نصف نهار من يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة.

إن مشكلتي يا سيدي المقتول ظلما قبل 1335 سنة شمسية هي في تحويل قضيتك إلى وسيلة للابتزاز العاطفي الذي يتم تارة باسم خدمتك وتارة باسم مواساة أهل البيت وفي بعض الأحايين باسم الوفاء لمبادئ لتضحياتك. إنها الحدود النفسية التي تصنعها قضيتك بين الأنا والآخر. فقد رفضت هذا التمايز القائم على معايير خارجة عن إرادة الناس. كلما انطبعت أي مشاركة اجتماعية بطابع ديني؛ كلما تحولت إلى معيار مقدس لتصنيف الناس إلى صالح وطالح، وهنا تنتفي الحرية أو تضعف، ويصبح السلوك قهريا ويتقوقع النقد في زاوية ضيقة على أطراف المجتمع. أو لست أنت القائل: الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، فإن محصوا بالبلاء قل الديانون؟ هذا هو الذي يدفعني لأن أحاول أن أجيب على تساؤل قديم ما يزال يتردد على بالي: كيف نميز بين ما هو دين وما هو تاريخ؟ القضية ليست بالسهلة، فالقرون الطويلة تجعل للاستعارات معاني مستقلة، ولأحاديث القصاصين كيان وسلطة، وللظنون والترجيحات حدود قاطعة. ولكل عاقل حر ومشغول بالوجود تجربته وطريقته في شق طريقه نحو الغاية، وفيما يتعلق بك، فإني بمجرد ما أدركت أن هناك خطأ ما في كل هذا التعاطي مع رمزيتك؛ سألت نفسي: كيف وصلت قضيتك إلي؟

سيدي.. أعلم أنك لم تكن راض عن الصلح القديم بين أخيك الحسن ومعاوية، وأعلم أن زعامة بني هاشم آلت إليك بعد وفاة أخيك، وأنك كنت منذ كنت رافضا للظلم وطالبا للحق والعدالة، وقد وجدت في وفاة معاوية الفرصة لاستباق سنة آخذة في الظهور هي توريث الحكم، وأنك حاولت استنهاض عيون بني هاشم في المدينة، ولكن لم يتبعك سوى شبابهم، ثم حاولت استنهاض الناس في مكة مستفيدا من موسم الحج، ولكن لم يتبعك غير بعض الأعراب الباحثين وراء كل مطمع، وقد تخلو عنك عندما وصلك خبر مقتل مسلم بن عقيل؛ رسولك إلى أهل الكوفة؛ تماما كما تخلى عنك وجوه القوم، وحاصرك جيش من قبائل شتى كانت تدين بالولاء للأمويين. فلا أنت دخلت الكوفة التي كاتبتك بداية، ولا خلوك للرجوع من حيث أتيت، ولا الذهاب إلى يزيد، وكانت هذه اقتراحاتك، فأصبحت مخيرا بين الموت والتسليم الذليل. فاخترت الموت. هذه القصة باختصار وإيجاز، وهي تسلسل طبيعي للأحداث، وقد وقع عليك ما يقع على كل الثائرين الطامحين إلى تغيير الواقع بالقوة. ولا أقلل هنا من أهمية حركتك وآثارها، ولكنها تدرس في إطار تاريخي منهجي صرف. فلا تحتاج لكل هذا الزخم الذي يجعلنا نعيش في عصر ليس عصرنا، وفي رحم صراعات ليست صراعاتنا.

أيها الشهيد الرمز.. عندما أتذكرك؛ لا أتذكر الدماء ولا السهام. لا أتذكر مشاهد العطش وحرق الخيم. ولا حز الرؤوس وسبي النساء. كل هذه المشاهد التي بالرغم أنها محفورة في ذاكرتي؛ إلا أني لا أتذكرها. فهي ليست مهمة أبدا. إنها تفاصيل تاريخية لا تستدعي كل هذا الإسراف غير المبرر في الطلب عليها. وما استدعاؤها بالشكل الذي أشاهده إلا من قبيل العادة التي يستوحش صاحبها إذا لم يأتها. الجزء الخالد من حركتك هو ذاك الذي لا يذكر ولا يشار إليه ولا يتحدث عنه. لأنه ليس متعلقا بالتاريخ؛ بل بالمكون الفطري في البشر عندما يرفضون الإذلال والخنوع والإهانة. وهنا يكون فرانز فانون أو عمر المختار أو غرامشي أكثر تشيعا لك من أي متشيع يضع رأسه بين ركبتيه يبكي عليك. المشاعر يا سيدي المقتول ظلما سنة 680م لا يترتب عليها أي أثر عملي ما لم تولد في ظروف طبيعية تفاعلت مع أحداث الواقع. أنا لست مستعدا ﻷحترم دموعا تسيل فقط لأن صاحبها يتلذذ بإسالتها. الحزن الموسمي هو لحظة سنوية تتجدد لإعدام أي وعي يتجدد ويتراكم خلال السنة، فتعيد صاحبها في كل مرة إلى لحظة الصفر، وهي لحظة الصدمة بموت الشهيد. يجب أن نتجاوز هذه اللحظة، ويجب أن نهذب مشاعرنا تجاهك؛ لتتحول من مشاعر الحب والتعاطف والشفقة؛ والتي كلها مشاعر السلم الأول في بناء العلاقات؛ إلى مشاعر الشك والفضول والإنجاز.

إن مجتمعا يتأسس على محورية لحظة تأسيسية ضاربة في عمق التاريخ؛ هو مجتمع بدائي في سلسلة التطور الحضاري، ومقدار ما يسهم به في البناء والإضافة إلى الحياة لا يتجاوز حاجاته العضوية الأساسية. لا يولد الإبداع ولا ينمو وتتحقق له ثمار في مجتمع لا يعيش حالة الجدل مع ماضيه الأبعد فالأقرب؛ مجتمع يتجاوز لحظة ولادته لصالح بناء لحظات ولادة مستمرة. ولهذا لا أبكي عليك ولن أبكي عليك. البكاء المستمر يصبح فارغا من المعنى، تماما مثل أي سلوك جاء كردة فعل ثم استمر حتى مع انتفاء السبب. كالطفل الذي اعتاد البكاء فتركوه لحاله. ماذا يعني أن أحبك؟ الجواب هو لا شيء. كمن يقول: أنا أحب الله. طيب.. وبعدين؟ أي جواب سيأتي لتبرير هذا الحب هو بعيد جدا عن شعور الحب نفسه. فمن يحب الحسين لأنه ضحى بروحه من أجل العدالة؛ سأسأله: أنت تحب العدالة وليس الحسين؛ فهل القضية سيان؟ سأقول: لا. ﻷن القدوة الحقيقية هي التي تنتهي بقيمة عملية تمارس سلوكيا. وهنا الحسين ليس قيمة سلوكية. العدالة التي ضحى لأجلها هي القيمة، ولا يمكن أن يتحول الحسين إلى قيمة إلا بتصنيمه، وهذا ما يحدث. تمسكنا بالقشرة وأضعنا الثمرة.

سيدي الشهيد.. لا أستطيع أن أفصلك عن مجمل معاناتنا في مجتمعاتنا مع التخلف والجهل والتمزق والاستبداد. هل يمكن تخيل أن تكون أنت الذي وقفت ضد الطغيان؛ سبب من أسباب الطغيان لدينا؟ لست أنت كحسين؛ بل رمزيتك التي تراكمت حتى غدت مقدسا إلى جنب مقدسات كثيرة تصنع في اللاوعي خطوطا حمراء بلا حصر ولا عد. لم تعد أنت الحسين الذي يحرر أتباعه من التبعية والعبودية والاستبداد، بل أصبحت تزيد مع من يزيد من السلاسل والقيود التي تروض وتنميط وتقلم العقول المنطلقة الحرة. ذلك لأنك تحولت إلى مؤسسة مغلقة لها عرابوها وسدنتها الذين يعتاشون من قدسيتك. هل تتخيل يا سيدي أن تصبح موسما لحرق القلوب بتعداد جراحك، والرماح التي طعنتك، وأين أصابك السهم المثلث، وكيف وقعت من على ظهر جوادك، وكيف تم حز نحرك، وأين وبأي كيفية قتل أطفالك وأهلك بيتك وأنصارك؟ لقد ماتت القضية في هذه التفاصيل الهامشية جدا. إنه الميول السينمائي الفطري لدى كل وعي غير ناضج بعد عندما يحاول الارتباط بقضية ما. كما لو أن الحق لا يمكن دمجه في الروح بدون مثل هذه الإثارات. إن مجمل هذا التعاطي معك لا يعبر عن أي اندماج مع المبادئ التي خرجت لأجلها، فميدان الاندماج المنشود ليس مأتما؛ بل ساحات العمل والنضال والوعي بمشاكل الوطن.

سيدي.. تساءلت مع نفسي ذات يوم: أي واجب أخلاقي على جماعة واعية تجاه شهدائها المضحين لأجل مبادئ سامية مشتركة؟ فما وجدت مما هو ممارس حاليا جوابا. سأفترض أنا نسيناك وتوقفت كل هذي المآتم والمجالس والاحتفالات؛ هل سنكون قصرنا في حقك؟ بل ما هو حقك علينا؟ حسنا.. هذا ينقلني لسؤال أكثر أهمية: هل من قيمة للعدالة بدون تجسيدها في رموز؟ إنها مسألة المحدود واللامحدود. العدالة من خصائص اللامحدود، وإذا ما نزلت إلى عالمنا المحدود فلن نراها سوى في مواقف الناس وممارساتهم. هذا يدفعني إلى الإيمان بأن مشروعية الرمز تتحقق عندما يمارس الناس وينتهجون العدالة انطلاقا من الرمز. فهل هذا متحقق؟ أكاد أجزم ب لا. وعلى ذلك فلا مشروعية لرمزيتك ما دامت لا تصنع عدالة في واقعنا. سأقول لك سيدي الشهيد أمرا أكثر أهمية: العدالة بدون القانون قيمة مستحيلة التطبيق. لا نستطيع أن نحتكم إلى رمزيتك، ولكن نستطيع أن نحتكم إلى القانون. فالقانون أولى بالتقديس منك. وهذه ليست مقارنة، وإنما ترتيب أولويات.

أعود إلى سؤالي القديم: ما هو حقك علينا؟ وهل نحن مدينون لك بشيء؟ أعلم أن الكثيرين سيقولون: أنك غني عنا، وأننا نحن من يحتاج إليك. ولكني أعلم أيضا أن هذا السؤال شائك. لأن الإنسان مبرمج فطريا على أن يتعامل مع اللامحدود بهذا النوع من التواضع والتذلل والافتقار. وهنا ينقدح في ذهني السؤال الذي نسف كل ما كنت أؤمن به في السابق: هل نحن بخير؟ وهل توجد تجارب أفضل تحقق لنا ما نطلبه منك وهو العدالة؟ وهنا من المؤكد أن لكل فرد إجابته الخاصة وفق تجربته، أما أنا فقد أجبت بأننا لسنا بخير، وأن العدالة قيمة مفقودة أو شبه مفقودة في مجتمعاتنا، وأن هناك تجارب أفضل خبرتها شعوب سبقتنا في النضج السياسي؛ تحقق العدالة المنشودة التي خرجت لأجلها. لهذا أقول: إنك لست غني عنا، ونحن لا نحتاج إليك! لو متنا أو توقفنا عنك لعدت أنت إلى حجمك الطبيعي كتاريخ مودع في الكتب، وأننا لسنا مدينون لك بشيء، ولا حق لك علينا أكثر من واجبنا تجاه معرفة تاريخنا كيف سار وكيف تطور حتى وصل إلينا. والجماعة الواعية ليست تلك التي تقدس شهدائها ومؤسسيها، بل تلك التي تنتقدهم وتتجاوزهم بالبناء على ما بنوه وشيدوه، إذ لا مقدس سوى هذا الإنسان الحي الذي يمشي على الأرض باحثا عن الحقيقة.

أختم رسائلي إليك يا سيدي الشهيد بتذكر قضية في غاية الأهمية؛ قلما يلتفت إليها أحد. فعندما وصلت إلى العراق، واعترضك جيش الحر بن يزيد الرياحي؛ أخرجت له مجموعة من رسائل الكوفيين التي تطلب منك القدوم لإعلان الثورة على الحكم الأموي. كنت تحمل تلك الرسائل معك منذ خروجك من مكة، وكانت توجيهات والي الكوفة عبيد الله بن زياد ألا يدخل الحسين الكوفة ولا يعود إلى الحجاز. في نفس الوقت الذي كنت قد تلقيت قبل أيام؛ خبر مقتل رسولك الثاني إلى الكوفة عبد الله بن يقطر، فكان يأسك من الحياة كيأس أبيك القديم من الكوفة. فهل من أهمية لتلك الرسائل غير أنها إشارة منك إلى ذلك المسار الطبيعي الذي يولد في ظروف تاريخية بشرية صرفة. لا أهمية للمعاجز والكرامات ولا لكل التضخيم الإعلامي الذي لو يعلم متعاطوه أنهم يفرغون الثورة من قيمها بما يبثونه من تزييف وتشويه؛ لما فعلوا. كذلك فإن هذه الرسائل تحمل دلالة على أن الخيارات لديك كانت قليلة جدا، ولم يكن أمامك لتحويل كل ذلك الضعف إلى قوة سوى الموت.


*جاءت هذه المقالة على شكل منشورات متتابعة في صفحتي في الفيسبوك؛ في سبتمبر 2017

Visits: 2